| التسجيل | دخول
السبت, 2024-04-20, 10:53:03 AM
أهلاً بك ضيف شرف | RSS
[ رسائل جديدة · المشاركين · قواعد المنتدى · بحث · RSS ]
  • صفحة 1 من%
  • 1
مشرف المنتدى: أبوعمر  
منتديات العرب » القســـم الإسلامــي » منتدى المـواضيع والدروس الإسلامــية العـامـــة » الدليل الفقهى لحساب الزكاة
الدليل الفقهى لحساب الزكاة
jride22_ilالتاريخ: الإثنين, 2012-03-05, 11:50:12 AM | رسالة # 1
فريق
نائب القائد العام

2011-06-08
المشاركات : 1051
جوائز: 5 +

Offline
الدليل الفقهى لحساب الزكاة
الأستاذ الدكتور
عصام عبد الهادى أبو النصر
أستاذ ورئيس قسم المحاسبة
كلية التجارة – جامعة الأزهر
يقول الحق تبارك وتعالى :
"خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ" (التوبة:103).
ويقول رسول الله : r
" بنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة ، وصوم رمضان ، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً " متفق عليه .

الدليل الفقهى لحساب الزكاة
تمهيد :
تتعلق هذه الورقة بدراسة وتحليل الجوانب الأساسية لمحاسبة زكاة المال، حيث يختص بالإشارة إلى مفهوم الزكاة، وخصائصها الأساسية، وأهم مقاصدها، وحكمها، وجزاء مؤديها ومانعها، والخاضعين لها، وأهمية النية فى أدائها. كما يختص كذلك بالتركيز على الشروط الواجب توافرها فى المال حتى يخضع للزكاة، بالإضافة إلى وقت أدائها ومسئولية الدولة عن تحصيلها.
مفهوم الزكاة
يُقصد بالزكاة في اللغة النماء والطهارة.
أما النماء فلأنها ُتَنمِّى َوُتِزْيد الأجر والثواب عند المولى سبحانه وتعالى، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: "وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ رِبًا لِيَرْبُوَ فِي أَمْوَالِ النَّاسِ فَلَا يَرْبُو عِنْدَ اللَّهِ وَمَا آَتَيْتُمْ مِنْ زَكَاةٍ تُرِيدُونَ وَجْهَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُضْعِفُونَ" (الروم: 39)، وكذا قوله عز وجل : "مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِئَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ (البقرة:261) ، فالزكاة وإن كانت فى ظاهرها نقصان مادى ، إلا أنها تعود على صاحبها بأضعاف مضاعفة ، كما أنها تؤدى إلى دفع الفرد إلى تنمية ماله واستثماره حتى تخرج الزكاة من العائد أو الزيادة .
وأما الطهارة فلأن مال الفرد لا يطهر إلا بإخراج وتخليص حق الغير منه فضلاً عن أنها تعمل على تطهير قلب المزكى من البخل والشح والأنانية ، وكذا قلب الفقير من الحقد والغل والحسد .
وقد يُعبر عن الزكاة بالصدقة أيضاً لأن إخراجها يدل على صدق العقيدة ومطابقة الفعل للقول والاعتقاد.
وقد ورد فى كتب الفقه تعريفات عدة للزكاة ، ويدور جميعها حول مفهوم واحد، وهو أنها تمليك مقدار مخصوص من مال مخصوص فى وقت مخصوص لمن يستحقه بغرض تحقيق رضا الله وتزكية النفس والمال والمجتمع.
وسوف نلقى المزيد من الضوء على هذا التعريف من خلال تناولنا لخصائص الزكاة في الصفحات التالية .
خصائص الزكاة
فى ضوء مفهوم الزكاة فى اللغة، وعند فقهاء المسلمين، يُمكن استخلاص أهم خصائص زكاة المال فيما يلى :
أولاً :أن الزكاة حق للفقير ولغيره من مستحقيها، فهم شركاء للأغنياء فى مالهم بمقدار ما يستحقون من زكاة فيه. ومن ثم فالزكاة ليست إحساناً أو تطوعاً أو منة أو فضلاً من الغنى على مستحقيها .
ثانياً :أن حساب مقدار الزكاة يُحَدد فى ضوء ضوابط معينة تتعلق بوعائها وسعرها وهما يختلفان من مالٍ لآخر، وذلك على النحو الذى سوف يرد بالتفصيل عند تناولنا لكل مال من الأموال الخاضعة للزكاة.
ثالثاً :أن الزكاة لا تجب فى كل مال وإنما لابد من توافر شروط معينة حتى يخضع المال للزكاة ، وهذه الشروط بعضها عام يُطبق على جميع الأموال وبعضها خاص لا يسرى إلا على بعض الأموال، وذلك على النحو الذى سوف يرد بالتفصيل عند تناولنا لهذه الشروط فى هذا الباب.
رابعاً :أن الزكاة لا تُفرض فى كل وقت ولا فى أى وقت، وإنما لابد من حولان الحول الهجرى فى زكاة التجارة والنقود والمُستغلات وكذا زكاة الثروة الحيوانية، وذلك على النحو الذى سوف نورده بالتفصيل عند تناولنا لشرط حولان الحول .
خامساً :إن مقدار الزكاة ُيَؤدَى إلى طوائف معينة، تشكل ما يُعرف بمصارف الزكاة، والتى حددتها الآية (60) من سورة التوبة: "إِنَّمَا الصَّدَقَاتُ لِلْفُقَرَاءِ وَالْمَسَاكِينِ وَالْعَامِلِينَ عَلَيْهَا وَالْمُؤَلَّفَةِ قُلُوبُهُمْ وَفِي الرِّقَابِ وَالْغَارِمِينَ وَفِي سَبِيلِ اللَّهِ وَاِبْنِ السَّبِيلِ فَرِيضَةً مِنَ اللَّهِ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ". وعلى ذلك فقد تولى المولى سبحانه وتعالى قسمة الزكاة حتى توضع فى مكانها المناسب.
سادساً :إن للزكاة مقاصدها الأساسية سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، وهو ما سنتناوله بالتفصيل فى الصفحات التالية.
المقاصد الأساسية للزكاة
لم تُشرع الزكاة لذاتها، وإنما شُرعت لتحقيق العديد من المقاصد سواء على مستوى الفرد أو على مستوى المجتمع، ويتضح ذلك مما يلى:
( أ ) على مستوى الفرد
لما كان الفرد هو أساس المجتمع، فقد اهتم التشريع الإسلامى باصلاح حاله من خلال الزكاة. ويمكن أن يظهر ذلك بالنسبة لمعطى الزكاة من ناحية، ومستحقها من ناحية أخرى.
فبالنسبة لمعطى الزكاة، فإنها تعمل على تطهيره معنوياً من خلال تخليص قلبه من آفة حب المال والتعلق به، وكذا من الجشع والأنانية، وتدريبه على البذل والإنفاق فضلاً عن الصدق والأمانة وشكر الله تعالى وطاعته، وهى أيضاً تطهر ماله بتخليصه من حق الغير فيه، وتُنميه من خلال تحفيزه على الاستثمار.
وبالنسبة لمستحق الزكاة، فإنها تعمل على تطهير قلبه من أمراض الحسد والكراهية والبغض والحقد والضغينة.
وعلى ذلك، فإن للزكاة آثارها المعنوية والمادية على مستوى الفرد سواء كان هذا الفرد مُعطياً للزكاة أم آخذاً لها.
(ب) على مستوى المجتمع
للزكاة دورها فى تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية للمجتمع، ويتضح ذلك مما يلى:
دور الزكاة فى تحقيق التنمية الاجتماعية
تُسهم الزكاة فى تحقيق التنمية الإجتماعية للمجتمع المسلم، ويتضح ذلك مما يلى:
(1) تضييق الفوارق الإجتماعية بين طبقات المجتمع، حيث تعمل الزكاة من خلال تملك سهمين ونصف من حصيلتها للفقراء والمساكين إلى تذويب الفوارق بين طبقات المجتمع، بل ونقلهم من فئة المستحقين لها الى فئة المعطين لها، إذ ليس هدف الزكاة مجرد إشباع الفقير والمسكين مرة أو مرات كل عام وإنما إغناؤه.
(2) إحياء المروءة والتكافل الاجتماعى، وذلك من خلال سهم الغارمين وهم من إستدانوا فى مباح وعجزوا عن السداد. ومن هؤلاء من يستدين للتوفيق وتجنب الشقاق والخلاف بين الآخرين، ولو ترك المستدين فى هذه الحالة لماتت المروءة والشهامة، ولما وجد بين الناس من يجرؤ على التصدى للإصلاح بينهم.
(3) ضمان الحياة الكريمة للمسلم المسافر، وذلك من خلال سهم إبن السبيل الذى يوفر للمسافر الذى ضاعت أمواله أو هلكت وليس معه ما يمكنه من العودة إلى دياره وبلاده، حتى وإن كان غنياً فى بلده.
(4) تربط الزكاة بين الغنى والفقير برباط متين من المحبة والإخاء والتعاون، إذ أن الناس جُلبوا على حب من أحسن إليهم .
ويتضح مما سبق أن الزكاة لم تُشرع لتؤخذ من الغنى للفقير، وإنما شُرعت لتحقيق مقاصد أخرى يستفيد منها المجتمع المسلم بأكمله، فهى صمام أمان له، ومدعاة لإستقراره وإستمراره.
دور الزكاة فى تحقيق التنمية الاقتصادية
تعمل الزكاة على تحقيق أهداف ومقاصد التنمية الاقتصادية، وذلك من خلال ما يلى :
(1) محاربة الإكتناز ودفع المال إلى الإستثمار من خلال إعتبار رأس المال نامياً بالقوة إن لم يقم صاحبه بتنميته، مما يدفع صاحب المال إلى البحث عن أوجه إستثمار يفوق عائدها مقدار الزكاة المدفوعة، وهو مايؤدى بدوره إلى زيادة الدخل القومى .
(2) المحافظة على أعضاء القطاع الإنتاجى من خلال إعانة الغارم صاحب المشروع التجارى، أو الصناعى، وإبقائه عضواً منتجاُ فى المجتمع المسلم بدلاً من إقتسام أمواله بين دائنيه قسمة الغرماء، حيث خصص المشرع سهماً من حصيلة الزكاة يُسدد عنه ديونه.
(3) العمل على توسيع قطاع المنتجين من خلال تشجيع المشروعات الحرفية، حيث يُفضل الفقهاء إعطاء أصحاب المهن الحرفية ما يمكنهـم من الحصول على الأدوات التى تُساعد على تحويلهم من أشخاص عاطلين مُستحقين للزكاة إلى مُنتجين دافعين لها.
(3) إعادة توزيع الدخل القومى من خلال إقتطاع جزء من ثروات ودخول الأغنياء وتمليكها للمُستحقين - وأهمهم الفقراء والمساكينن-7 - دون أن يتحملوا فى سبيل ذلك أية أعباء.
ويتضح مما سبق أن الزكاة وإن كانت عبادة إلا أن لها العديد من المقاصد والغايات الروحية والإجتماعية والإقتصاية على مستوى الفرد والمجتمع المسلم.
حُكم الزكاة
تمثل الزكاة الركن الثالث من أركان الإسلام الخمسة، وهى فريضة مقررة بنص كتاب الله وسنة رسوله وإجماع الأمة.
أما الكتاب فبقوله تبارك وتعالى : "وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآَتُوا الزَّكَاةَ وَارْكَعُوا مَعَ الرَّاكِعِينَ"(البقرة :43) ، وكذا بقوله عز وجل : "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلَاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ " (التوبة:103) .
وأما السنة فلقوله r : " بُنى الإسلام على خمس : شهادة أن لا اله إلا الله وأن محمداً رسول الله ، وإقام الصلاة ، وإيتاء الزكاة، وصوم رمضان، وحج البيت لمن استطاع إليه سبيلاً" متفق عليه.
وكذا قوله r : " ما من صاحب ذهب ولا فضة لا يؤدى حقها إلا جُعلت له يوم القيامة صفائح ثم أُحمى عليها فى نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار".
وقد أجمع المسلمون فى جميع الأزمنة على فرضية الزكاة شأنها فى ذلك شأن الصلاة .
جزاء مُؤدى الزكاة
تُعتبر الزكاة أحد أسباب نيل العبد لرحمة الله عز جل، حيث يقول الحق تبارك وتعالى : "وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ فَسَأَكْتُبُهَا لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةََ " (الأعراف : 156) .
كما تعتبر الزكاة شرطاً لاستحقاق نصره سبحانه وتعالى، وفى ذلك يقول الحق تبارك وتعالى: " وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ (40) الَّذِينَ إِنْ مَكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآَتَوُا الزَّكَاةَ (41)" ( الحج ).
وقد ورد فى الترغيب فى أداء الزكاة العديد من الأحاديث النبوية الشريفة، حيث يقول الرسول r : "خمس من جاء بهن من إيمان دخل الجنة، من حافظ على الصلوات الخمس، على وضوئهن وركوعهن وسجودهن ومواقيتهن، وصام رمضان، وحج البيت إن إستطاع إليه سبيلا، وأعطى الزكاة طيبة بها نفسه ...." .
وعن أبى أيوب رضى الله عنه أن رجلاً قال للنبى r : "أخبرنى بعمل يُدخلنى الجنة، قال تعبد الله لا تشرك به شيئًا، وتقيم الصلاة المكتوبة وتؤتى الزكاة، وتصل الرحم ".
ولاشك أن الآيات والأحاديث السابقة تدفع الفرد إلى أداء زكاة ماله طواعية وعن طيب خاطر طمعاً فى رحمة الله واستحقاقاً لنصره وأملاً فى دخول جنتة فى الآخرة.
جزاء مانع الزكاة
يلزم التفرقة بين مانع الزكاة جحوداً وإنكاراً لوجوبها، وبين مانع الزكاة بخلاً وشحاً، فالأول يُعد مرتداً ومن ثم يستحق عقوبة المرتدين لأنه أنكر اصلاً من أصول الدين، أما الثانى فهو مسلم عاص، ومن ثم يستحق عقوبة يوقعها عليه القاضى وفقاً للظروف .
وسواء كان المنع إنكاراً أو بخلاً ، فإن المانع يستحق عقوبة أخروية من الله عز وجل حيث يقول تبارك وتعالى: "وَالَّذِينَ يَكْنِزُونَ الذَّهَبَ وَالْفِضَّةَ وَلَا يُنْفِقُونَهَا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَبَشِّرْهُمْ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ (34) يَوْمَ يُحْمَى عَلَيْهَا فِي نَارِ جَهَنَّمَ فَتُكْوَى بِهَا جِبَاهُهُمْ وَجُنُوبُهُمْ وَظُهُورُهُمْ هَذَا مَا كَنَزْتُمْ لِأَنْفُسِكُمْ فَذُوقُوا مَا كُنْتُمْ تَكْنِزُونَ(35)" ( التوبة).
كما ورد فى السنة النبوية الشريفة أيضاً العديد من الأحاديث التى تُرهب من منع الزكاة، ومن ذلك قول الرسول r : " ما من صاحب ذهب ولافضة لايؤدى حقها إلا جُعلت له يوم القيامة صفائح ثم أُحمى عليها فى نار جهنم، فيكوى بها جنبه وجبهته وظهره، فى يوم كان مقداره خمسين ألف سنة، حتى يقضى الله بين الناس فيرى سبيله إما إلى الجنة وإما إلى النار ".
كما يقول الرسول r : " ما من أحد لا يؤدى زكاة ماله إلا مُثِّل له يوم القيامة شجاعاً أقرعا حتى يُطوق به عنقه " ثم قرأ : " وَلَا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِمَا آَتَاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ هُوَ خَيْرًا لَهُمْ بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ.... " ( أل عمران : 180 ) .
ولا شك أن هذه الأحاديث تُحرك النفوس الشحيحة إلى البذل، وتسوقها بعصا الترهيب إلى أداء الزكاة المفروضة.
الخاضعون للزكاة
يُشترط فى من تجب عليه الزكاة أن يكون مسلماً لأن الزكاة عبادة، ولذا فهى لا تُقبل من غير المسلم لأنه غير مُكلف بالعبادات. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فالمقصود من الزكاة نيل الثواب فى الآخرة، وغير المسلم ليس أهلاً لهذا الثواب.
ولما كانت المطالبة بالفرائض فى الدنيا لا تكون إلا بعد الإسلام فإن الزكاة لا تكون ديناً فى ذمة غير المسلم ومن ثم فهو لايؤديها إذا أسلم عما ما مضى من السنوات .
وإذا كانت الزكاة لا تجب على غير المسلم فهى لا تصح منه أيضاً لقوله تبارك وتعالى : "وَقَدِمْنَا إِلَى مَا عَمِلُوا مِنْ عَمَلٍ فَجَعَلْنَاهُ هَبَاءً مَنْثُورًا" ( الفرقان : 23 )، أى وقدمنا إلى ماعملوا من أعمال لو كانوا عملوها مع الإيمان لنالوا ثوابها، فشرط قبول الزكاة وغيرها من العبادات والأعمال هو الإيمان .
والأمر يختلف بالنسبة للمرتد، إذ أن الزكاة لا تسقط عنه بالردة، فهو لايستحق التخفيف لأنه رجع عن الاسلام بعدما عرف محاسنه.
وإذا كانت الزكاة لا تجب على غير المسلم، فإن معنى ذلك تحمل المسلم بأعباء مالية أكبر من غيره، ولذا فإنه يتعين على ولى الأمر أن يعمل على التسوية فى الواجبات المالية بين الداخلين تحت ولايته مع إختلاف دينهم وذلك بأن ُيلِزم غير المسلمين بدفع واجب مالي يُعادل مقدار الزكاة، ويمكن أن ُيسَمى هذا الواجب ضريبة التكافل الاجتماعى أو غير ذلك.
وقد ثبت أن عمر بن الخطاب رضى الله عنه فرض على نصارى بنى تغلب نصف الزكاة بناءً على طلبهم شريطة ألا يسميها زكاة ولا جزية فقال عمر "سموها ما شئتم " .
زكاة مال الصبى وغير العاقل
يرى بعض الفقهاء أن الزكاة عبادة محضة، ومن ثم لا زكاة فى مال الصبى والمجنون باعتبار أن الزكاة تكليف يلزمه البلوغ والعقل والنية.
ويرى جمهور الفقهاء أن الزكاة مع كونها عبادة إلا أنها فى ذات الوقت تعتبر من الحقوق المالية، والحقوق المالية لا تعتمد على التكليف فالصبى - على سبيل المثال - تجب فى ماله الحقوق المالية، فلو تزوج لوجبت فى ماله حقوق الزوجة، ولو أتلف شيئاً وجب عليه دفع قيمته. وكذلك المجنون، فهو مطالب أيضاً بالحقوق المالية كنفقة الزوجة وضمان المتلفات.
وهذا الرأى الأخير هو الراجح للأسباب الآتية :
(1) أن سبب وجوب الزكاة ملك النصاب، وقد وجد فى مال الصبى والمجنون ومن ثم تجب الزكاة فى مالهما كالبالغ والعاقل .
(2) أن الآيات الكريمة ربطت ربطاً واضحاً بين فريضة الزكاة والمال، حيث يقول الحق تبارك وتعالى: " وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ" (المعارج : 24)، كما يقول سبحانه وتعالى : "خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً ... " (التوبة : 103) ، وعلى ذلك ، فالآيات الكريمة لم تفرق بين مال الصبى والمجنون ومال غيرهما، وإنما أوجبت الأخذ من جميع أموال المسلمين .
(3) أمرنا رسول الله r أن نتجر فى مال اليتيم حتى لا تأكله الصدقة " ، حيث يقول r : " اتجروا فى أموال اليتامى حتى لا تأكلها الصدقة ". وفى هذا إشارة واضحة إلى وجوب الزكاة فى هذا المال.
(4) أن الزكاة عبادة مالية يجوز فيها الوكالة، فتكفى نية الولى فى الإخراج، ومن ثم فلا حاجة إلى نية الصبى، أو غير العاقل.
(5) أن رفع التكليف عن الصبى المشار إليه فى حديث الرسول r: "رُفع القلم عن ثلاث، الصبى حتى يبلغ وعن النائم حتى يستيقظ وعن المجنون حتى يفيق " لا يتعلق بالنواحى المالية، ولذا وجبت فى مالهم ضمان المتلفات والتعويضات ونفقات الزواج والأقارب وغيرها.
وعلى ذلك، فإن الزكاة تجب - على رأى الجمهور - فى مال الصبى وغير العاقل .
أهمية النية فى أداء الزكاة
يشترط جمهور الفقهاء (1) نية المالك لصحة أداء الزكاة لقوله r: "إنما الأعمال بالنيات "، كما أن الزكاة عبادة، ومن ثم لابد فيها من النية.
ووفقاً لهذا الرأى ، إذا قام المسلم باخراج جزء من ماله لفقير أو مسكين من غير إستحضار نية الزكاة، فإن هذا الجزء يعد انفاقاً تطوعياً ولا تسقط عنه الزكاة، ويتعين عليه آداؤها .
وقد أورد الجمهور إستثناءات على شرط النية فى أداء الزكاة كما هو الحال بالنسبة لزكاة مال الصبى وغير العاقل، وكذا بالنسبة للزكاة التى يأخذها الإمام قهراً.
ولم يشترط بعض الفقهاء النية فى اخراج الزكاة باعتبارها حقاً فرضه الله فى أموال الأغنياء للفقراء.
ويمكن الجمع بين الرأيين بالقول بأن النية تعتبر شرطاً لوقوع الزكاة عبادة لله، ولا تُعتبر شرطاً لصحة أدائها باعتبارها حقاً للفقير .
ومن ثم فإن عدم توافر نية المالك عند أداء الزكاة يعنى عدم وقوع الزكاة كعبادة، ومن ثم حرمانه من الأجر والثواب، غير أن ذلك لا يمنع من أخذها منه وفاءً لحق الفقير .
الشروط الواجب توافرها فى المال الخاضع للزكاة
لم يفرض الإسلام الزكاة فى كل مال مهما كان مقداره وأياً كانت الحاجة إليه، وإنما وضع شروطاً يلزم توافرها فى المال حتى يكون محلاً لوجوب الزكاة. وهذه الشروط من شأنها التيسير على المزكى فتخرج الزكاة عن طيب خاطر، كما أن من شأنها أيضاً مراعاة حقوق الفقراء والمساكين.
ونتناول فيما يلى هذه الشروط بالتفصيل المناسب .
الشرط الأول : الملكية التامة
يُقصد بالملكية التامة قدرة الفرد على التصرف فى ماله تصرفاً تاماً حسب إختياره ورغبته دون عوائق بحيث تكون منافع هذا المال حاصلة له(2).
وعلى ذلك، فالملكية التامة تتعلق بملك ذات المال ومنفعته، ولذا فهى تُعطى للمالك حق التصرف فى المال بكل التصرفات الجائزة شرعاً من إجارة وإعارة ووصية ووقف، دون التقيد بزمان ولا بمكان ولا بشرط، ولذا فهى تختلف عن الملكية الناقصة التى يكون فيها الملك للمال وحده أو للمنفعة وحدها.
ويلاحظ أن هذا الشرط يتعلق بتمام الملك وليس الملك فحسب، إذ قد تثبت ملكية المال الزكوى ولكن لا يستطيع صاحبه تنميته أو التصرف فيه كما هو الحال بالنسبة لمال التاجر الموجود لدى الغير ولايرجى تحصيله، والمال المغصوب والمفقود و مافى حكمهم ،وهو ما يعرف عند الفقهاء بمال الضمار، وهذه الأموال ملكيتها ناقصة لإنعدام المنفعة منها.
ويُعد هذا الشرط - الملكية التامة - طبيعياً باعتبار أن الزكاة - فى أحد معانيها - نقل الملكية للغير، والفرد لا يملك أن ينقل ملكية مالا يملكه هو أصلا (ً3)، ولأن المال لا يُعد كذلك إلا إذا توافر فيه شرطى الملكية والإنتفاع معا.ً
هذا من ناحية. ومن ناحية أخرى، فإن الزكاة قائمة - على النحو الذى سوف يرد - على النماء ، وطالما أن الفرد لا يمتلك المال ملكية تامة فهو غير قادر على تنميته.
وتطبيقاً لهذا الشرط لا تخضع للزكاة الأموال التالية:
( أ ) الأموال العامة .
(ب) المال الموقوف على جهة عامة.
(جـ) المال الحرام.
( د ) الديون غير المرجوة التحصيل .
(هـ) الديون المستحقة للغير.
(و) مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدى.
ونتناول فيما يلى طبيعة هذه الأموال باختصار مع التركيز على بيان الحكمة من عدم خضوعها للزكاة.
( أ ) الأموال العامة
يُقصد بالأموال العامة تلك الأموال المخصصة للنفع العام كالطرق والحدائق والمرافق، وكذا مؤسسات الدولة ومصانعها ومدارسها وجامعاتها وما فى نحو ذلك.
وهذه الأموال لا تجب فيها الزكاة لأنها ليست مملوكة لشخص بعينه وإنما هى مملوكة للدولة التى تقوم برعاية أفرادها ومنهم المحتاجين. هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن الزكاة عبادة وهى لا تجب إلا على الشخص الطبيعى ومن ثم لا يخاطب بها غيره.
(ب) المال الموقوف على جهة عامة
قد يكون المال موقوفاً على شخص واحد أو على عدة أشخاص أو جماعة معينة كالإبن والذرية ، فتجب فيه الزكاة ـ إذا بلغ نصاباًـ لوجود مالك معين . أما إذا كان المال موقوفاً على جهة غير معينة كالفقراء والمساكين والمساجد والمجاهدين، فلا تجب فيه الزكاة لعدم وجود مالك معين له.
(جـ) المال الحرام
المال الحرام هو كل مال حظر الشارع إقتناءه أو الإنتفاع به سواء كان التحريم لذاته لما فيه من ضرر أو خبث كالميتة والخمر والخنزير، أم كان التحريم لغيره أى لوقوع خلل فى طريقة إكتسابه كأخذه من مالكه بغير إذنه كالغصب والسرقة والخيانة أو أخذه منه بأسلوب لا يقره الشرع كالربا والرشوة.
وحيازة المال الحرام لذاته من وجهة نظر الشرع الإسلامى لا تثبت الملكية لمن بيده هذا المال أياً كانت أنواعه وأسباب الحصول عليه، إذ من المقرر فقهاً أن قبض ما لا يجوز قبضه بمنزلة عدمه، وأن الممنوع شرعاً كالمعدوم حساً، كما أن هذا المال ليست له قيمة فى الشرع، ولذا فهو ليس محلاً للزكاة، بل يجب التخلص منه، ولا يجوز دفعه ثمناً ولا أجرة كما لا يجوز التصرف فيه ببيع ولا شراء ولا هبة ولا وقف ولا أى نوع من التصرفات المباحة شرعاً.
وكذلك الحال بالنسبة للمال الحرام لغيره، فهو أيضاً ليس محلاً للزكاة لإنتفاء شرط الملكية التامة الموجبة للزكاة. وحائز هذا المال لا يملكه أيضاً مهما طال الزمن ويجب عليه رده إلى مالكه أو وارثه إن عرفه، فان يئس من معرفته وجب عليه صرفه فى وجوه الخير المختلفة فيما عدا طبع المصاحف وبناء المساجد.
هذا بالنسبة لحائز المال الحرام لغيره، أما بالنسبة للمعتدى عليه وهو المالك الأصلى، فإن ملكيته لهذا المال ملكية ناقصة أيضاً لعدم تمكنه من تنميته وإستثماره، ومن ثم فلا زكاة عليه وإنما يزكيه عند قبضه بعد ضمه إلى سائر أمواله .
وتجدر الإشارة إلى أنه عند تعيين الإمام لجهة رسمية معينة لربط و تحصيل الزكاة تُفرض على المال الحرام ما يعادل مقدار الزكاة ولا يُصرف فى مصارف الزكاة وإنما يُصرف فى وجوه البر العام ما عدا بناء المسـاجد وطبع المصاحف، ويوضع فى حساب خاص ولا يخلط مع أموال الزكاة.
(د) الديون غير المرجوة التحصيل
يُقصد بالديون غير المرجوة التحصيل تلك الديون التى تكون لدى معسر أو مماطل.
ولما كانت ملكية الدائن لهذه الديون تُعد ملكية ناقصة لانعدام القدرة على التصرف فى مال الدين وكذا إنعدام القدرة على تنميته والإنتفاع به فلا زكاة فى هذه الديون(4).
وسوف نتناول هذا الدين وغيره من الديون بمزيد من الدراسة والتحليل فى زكاة عروض التجارة.
( هـ) الديون المستحقة للغير
قد تكون على الفرد ( المدين ) ديون للغير، ولما كانت ملكية هذا الفرد ( المدين ) ملكية ضعيفة ناقصة نظراً لتسلط الدائن على المال بمقدار ماله من دين، فإن الديون التى تكون للغير تمنع وجوب الزكاة أو تنقصها بقدرها. فإن كان على الرجل ألف جنيه فلا زكاة عليه فيها، ليس هذا فحسب، بل إن الدين إن استغرق النصاب حل للفرد تلقى الزكاة من غيره لا دفعها.
وقد عبر الفقهاء عن ذلك بشرط الفراغ من الدين باعتبار أن المدين فى حاجة إلى مال الدين حاجة أصلية لأن قضاء الدين من الحوائج الأصلية ولأن ذمته مشغولة بحاجته فاعتبر معدوماً(5). هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فإن مستحق الدين تلزمه زكاته ولو أوجبنا على المدين أيضاً لكان ذلك تثنية فى الزكاة(6).
وعلى ذلك، فإن الدين يمنع وجوب الزكاة أو ينقصها بقدره فى مال المدين.
ويشترط فى الدين الذى ينقص وعاء الزكاة أن يكون حالاً – أى غير مؤجل(7) - فالدين المؤجل لا يمنع الزكاة لأن ( المدين ) ليس مطالباً به فى الحال.
ويستوى فى الدين المانع للزكاة أن يكون ديناً لله (كالنذور والكفارات) أو أن يكون ديناً لآدمى.
(و) مكافأة نهاية الخدمة والراتب التقاعدى

تمثل مكافأة نهاية الخدمة مبلغاً مقطوعاً يستحقه العامل أو الموظف على صاحب العمل فى نهاية خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت فيه شروط معينة.
أما الراتب التقاعدى فهو مبلغ يستحق شهرياً للموظف أو العامل على الدولة أو المؤسسة المختصة بعد إنتهاء خدمته بمقتضى القوانين والأنظمة إذا توافرت فيها شروط معينة أيضاً.
ولا تجب الزكاة على العامل أو الموظف فى مكافأة نهاية الخدمة وكذا الراتب التقاعدى طيلة مدة الخدمة لعدم تحقق الملك التام لها. أما بعد صدور قرار بتسليمها للموظف أو العامل دفعة واحدة أو على دفعات دورية فان ملكه لها يصبح ملكاً تاماً، ومن ثم يُزكى ما قبضه منها زكاة المال المُستفاد بضمه إلى ما عنده من أموال من حيث النصاب والحول.
أما بالنسبة لمخصصات مكافآت نهاية الخدمة فى ميزانية الشركات قبل صرفها فهى تُعد ديوناً على الشركة أى إلتزامات، ومن ثم ُتحسم بكاملها من الموجودات الزكوية.
الشرط الثانى : حولان الحول الهجرى(8)

ويُقصد بذلك مرور إثنى عشر شهراً عربياً كاملة على بلوغ النصاب ومن ثم يبدأ الفرد ( أو الشركة ) بحساب مدة الحول عند بداية ملكيته للنصاب، وأساس ذلك قول الرسول r: "ليس على مال زكاة حتى يحول عليه الحول "، وعلى ذلك لو لم يمض على ملكية المال حول كامل لم تجب فيه الزكاة .
والحكمة من هذا الشرط ما يلى :
(1) أن مدة الحول هى المدة المناسبة التى يمكن أن يتحقق فيها نماء رأس المال، فالحول مظنة النماء(9)، ولم يؤخذ بحقيقة النماء لتعدده و استحالة حصره خلال العام .
(2) أن مقتضى شرط الحول أن يكون اخراج الزكاة من الربح، وهو أيسر وأسهل(10).
(3) ليس هناك أعدل من وجوب الزكاة كل عام، وذلك أن وجوبها فى كل شهر أو أقل من ذلك يضر بأصحاب الأموال ويؤدى إلى ضياع وقت وجهد العاملين عليها، كما أن وجوبها كل عدة سنوات يضر بمستحقيها ويمنعها من تحقيق مقاصدها الأساسية.
والحول المعتبر لأغراض الزكاة هو الحول القمرى لا الشمسى، وفى حالة تعذر مراعاة الحول القمرى بالنسبة للشركات فيمكن الأخذ بالحول الشمسى مع مراعاة فروق الأيام الزيادة فى السنة الشمسـية عن القمرية (11 يوم ) ، ولذا تُزاد نسبة الزكاة بمقدار 0.077% فتصبح 2.577% بالنسبة للسنة الشمسية بدلاً من 2.5% للسنة القمرية.
هذا بالنسبة للشركات أما بالنسبة للأفراد فينبغى أن تحسب الزكاة على أساس السنة القمرية.
ولا يسرى هذا الشرط فى زكاة الزروع والثمار لقول الحق تبارك وتعالى : "وَآَتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ " (الانعام : 141) فالزروع و الثمار نماء فى نفسها، ومن ثم فإن حولها عند كمال نضجها ، ولذا فهى تُزكى عند الحصاد .
كما لا يسرى هذا الشرط بالنسبة للمعادن (11) باعتبارها فى منزلة الزروع والثمار، ولذا فهى تزكى عند إستخراجها ودون إنتظار لحولان الحول أيضاً.
ومن ذلك يتضح أن الفرق بين ما يشترط له الحول وما لا يشترط له الحول، أن الأول ُمْرَصدُ للنماء، فأقيم السبب الظاهر - وهو الحول - مكان السبب الحقيقى وهو النماء. أما الثانى، فهو نماء متكامل فى نفسه كالزروع والمعادن.
ولا يشترط مرور حول كامل على الأرباح المحققة أثناء العام إذا كان رأس المال قد بلغ نصاباً، باعتبار أن حول النماء مبنى على حول الأصل لأنه تابع له فى الملك فتبعه كذلك فى الحول(12).
أما اذا كان المال الأصلى أقل من النصاب ونمى حتى صار نصاباً، فإن الحول ينعقد عليه من حين صار نصاباً.
الشرط الثالث : أن يكون المال نامياً
ويُقصد بذلك أن يكون المال الذى تؤخذ منه الزكاة قابلاً للزيادة حقيقة أوتقديراً(13).
ويُقصد بالنماء الحقيقى الزيادة الفعلية الناتجة عن التوالد والتناسل كما هو الحال فى زكاة الثروة الحيوانية، أو الربح فى زكاة عروض التجارة.
كما يقصد بالأموال التى تنمو تقديراً تلك الأموال التى يمكنها أن تحقق نمواً وزيادة لولا أن مالكها عطلها عن ذلك، كالأموال التى عطلها صاحبها عن النماء الحقيقى بعدم دفعها إلى الإستثمار. وهذه الأموال تجب فيها الزكاة لإجبار مالكها على دفعها إلى الإستثمار محافظة على المال ( بألا تأكلة الزكاة )، وتحقيقاً لمتطلبات التنمية الإقتصادية فى المجتمع المسلم من رؤوس أموال.
وبهذا الشرط يتحقق عملياً قول الرسولr: "ما نقص مال من صدقة".
ويترتب على شرط النماء عدة أمور أهمها:-
الأول : إستبعاد الأموال المعدة للإستعمال الشخصى باعتبار أن هذه الأموال لاتنمو حقيقة أو تقديراً، كما أنها غير معدة للنماء حتى وإن كانت من جنس الأموال التى تُعد للنماء، فتاجر السيارات الذى يخصص سيارة - أو أكثر فى حاله الضرورة - لإستعماله الشخصى لا تجب الزكاة فى قيمة هذه السيارة رغم وجوبها فى قيم السيارات الأخرى التى يتجر فيها.
الثانى :إخضاع الأموال التى لم يرد بشأنها نص طالما تحقق فيها شرط النماء.
الثالث :لا زكاة على من لم يتمكن من إنماء ماله كمال الضمار، وهو المال الذى لا يُرجى، وأيضاً المال الذى يعجز صاحبه عن تنميته إذا كان العجز راجعاً إلى المال نفسه، كأن يكون مغصوباً أو ديناً لا يُرجى تحصيله. أما إذا كان العجز راجعاً إلى صاحب المال نفسه، فإن المشرع لم يعتبر عذره فى عجزه عن تنمية ماله وأوجب عليه الزكاة غير باحث عن سبب العجز.
ويُعد هذا الشرط طبيعياً لأن الزكاة لو وجبت فى كل الأموال التى لا يتمكن مالكها من تنميتها بأى وجه من الوجوه لأدى ذلك إلى تناقص هذه الأموال سنة بعد الاخرى، وهو ما يؤدى إلى نقصانها عن النصاب ومن ثم وصول المالك إلى حد الفقر، وهو ما يتنافى مع مقصد الشرع من إغناء الفقير ومحاربة الفقر. فالمقصود من الزكاة هو إغناء الفقير دون إفقار الغنى.
الشرط الرابع : بلوغ النصاب
لم تفرض الشريعة الإسلامية الزكاة فى كل مقدار من المال وإن كان ضئيلاً، وإنما اشترطت أن يبلغ المال مقداراً معيناً يُسمى فى لغة الفقه بالنصاب(14).
وأساس ذلك قوله تبارك وتعالى : " وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ " (البقرة : 219) والعفو هو الفضل والزيادة ، كما يقول الرسول r " لاصدقة إلا عن ظهر غنى " .
ويعتبر هذا الشرط سبباً لوجوب الزكاة ، فحيثما وجد النصاب وجد الحكم وهو الزكاة .
وهذا النصاب هو ما يعادل 85 جم من الذهب الخالص فى شأن زكاة النقدين و ما يقاس عليها من أنواع الزكوات الاخرى.
والذهب الخالص هو الذهب عيار 24 قيراط، ولذا تلزم معادلة ما لم يكن خالصا من الذهب بما يقابله من الذهب الخالص، ففى الذهب عيار 18 قيراط مثلاً يسقط مقدار الربع وتمثل ستة من أربعة وعشرين قيراطاً ومن الذهب عيار 21 يسقط الثُمن ويمثل ثلاثة من أربعة وعشرين قيراطاً.
ويمكن صياغة ما سبق فى معادلة تظهر على النحو التالى:
الكمية المعادلة من الذهب الخالص =
كمية الذهب غير الخالص × عيار الذهب غير الخالص
24
فمثلاً :100 جرام ذهب عيار 18 = 100 × 18
24
= 75 جرام ذهب خالص .
وطالما أن النصاب مرتبط بالذهب فهو يتغير بتغير الأسعار، فارتفاع سعر الذهب يُزيد من النصاب، والعكس صحيح .
والحكمة من إشتراط النصاب هو أن الزكاة تؤخذ من الغنى للفقير، وليس كل من يملك جنيهاً يُعد غنياً فى الواقع ولا فى عرف الناس، ولذا كان لابد من حد معين يعتبر من بلغه فى أدنى مراتب الغنى. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى فلا معنى لأخذ الزكاة من فقير هو فى حاجة إليها.
والعبرة بكمال النصاب فى آخر الحول ولا يضر نقصانه أو إنعدامه أثناء الحول(15).
وتضم الأرباح المحققة خلال الحول إلى الوعاء لاستكمال النصاب إذ أن كل ربح يتحقق إثناء الحول يلزم ضمه إلى الوعاء لمقارنته بالنصاب، وهذا أيسر فى التطبيق وأبعد عن التعقيد.
وتخضع للزكاة كامل قيمة المال الذى بلغ نصاباً دون إستبعاد للنصاب منه، أما ما لم يبلغ نصاباً فلا يخضع للزكاة.
والنصاب الشرعى الذى يُعتد به هو النصاب الخالى من الدين ومن الإنفاق على الحاجات الأساسية للمزكى ( مأكل - مسكن - ملبس )، أى أنه يشترط عند إحتساب النصاب أن يكون مكتملاً بعد سداد الديون التى على الشخص.
أثر المال المستفاد على إستكمال النصاب
يُقصد بالمال المستفاد ما يحصل عليه الإنسان بصفة غير دورية، كأرباح التجارة، ونتاج الماشية.
والمال المُستفاد قد يكون من جنس ما لدى المزكي - كربح التجارة- وقد يكون من غير جنس ما لديه - كمن عنده نقود واستفاد ماشية مثلاً.
فإذا كان عند المزكي نصاباً واستفاد مالاً من جنس ما عنده من مال، فإن المال المستفاد يُضم إلى الأصل عند تمام الحول ويزكى معه، وذلك سواء كان المال المستفاد من نماء الأصل (كربح التجارة)، أو من غير نمائه ( كمن عنده خمسون من الغنم واشترى عشرين ).
وعلى ذلك فلا يُفرد للمال المستفاد حول آخر، ولا يشترط له مرور حول عليه في هذه الحالة، وذلك لأن إفراد حول للمال المستفاد من جنس ما لدى المزكي يستلزم ضبط مواقيت التملك لكل جزء يسير من المال ومعرفة القدر الواجب فيه، وفي هذا مشقة وحرج .
أما اذا كان المال المستفاد من غير جنس ما لدى المزكي - كما لو كانت عنده نقود واستفاد ماشية - فإن المال المستفاد لايُكَمِّل به نصاب الأصل إن كان ناقصاً، ولا يضم إلى حوله إن كان نصابه كاملاً، بل يبدأ حول المال المستفاد يوم استفادته إن بلغ نصاباً .
ونخلص مما سبق إلى أن المال المُستفاد يضم إلى الأصل ويُزكى معه طالما كان هذا المال من جنس ما لدى المزكى، وبصرف النظر عما إذا كان المال المستفاد أصلاً أو نماءً لأصل.
أما إذا كان المال المستفاد من غير جنس ما لدى المزكى، فلا يُسْتَكمل به نصاب و إنما يُسْتقَبل به حول جديد من يوم استفادته.
الشرط الخامس : الفضل عن الحاجات الأساسية
إتفق الفقهاء على أن الحاجات الأساسية التى يحتاج إليها الإنسان فى معاشه لا تجب فيها الزكاة، وأساس ذلك قول الحق تبارك وتعالى:
"وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ " (البقرة:219)، والعفو هو الفضل وهو ما زاد عن حاجة الفرد وحاجة من يعول.
ومن السنة الشريفة قول الرسولr : "ليس على المسلم فى عبده ولا فرسه صدقه " ، وكذا قوله r: " إبدأ بنفسك فتصدق عليها، فإن فضل شئ فلأهلك، فإن فضل شئ عن أهلك فلذوى قرابتك، فإن فضل عن ذوى قرابتك شئ فهكذا وهكذا ".
ولأن الإنسان إن تصدق بما هو محتاج إليه خرج عن غير طيب نفس فلا تتحقق بذلك المقاصد والغايات الأساسية للزكاة(16).
وقد عبر الفقهاء عن هذا الشرط بالفراغ من الحاجات الأصلية(17).
وقد اعتبر بعض الفقهاء أن الفضل عن الحاجات الأساسية داخل فى شرط النماء ومن ثم لا حاجة للنص على اشتراطه، باعتبار أن الحاجات الأساسية للإنسان لا تكون معدة للنماء كالملبس والمسكن وأدوات الحرفة وكتب أهل العلم.
غير أن الأولى النص على هذا الشرط، لأن عدم النص عليه، قد يؤدى إلى وجوب الزكاة فى نصاب من النقود مشغول بالحاجات الأساسية من طعام وشراب وتعلم وغير ذلك.
وقت أداء الزكاة
سبق أن أوضحنا أن هناك بعض الأموال يُشترط لتزكيتها حولان الحول الهجرى على ملكية النصاب كزكاة النقدين والتجارة والمُستغلات، وأشرنا الى أن الحول فى هذه الأموال مظنة النماء.
كما أوضحنا أن هناك بعض الأموال التى لا يشترط لتزكيتها حولان الحول الهجرى كزكاة الزروع والثمار وزكاة المعادن باعتبار أن حول هذه الأموال وقت الحصاد أو الإستخراج .
وسواء لزم حولان الحول أم لم يلزم، فمتى وجبت الزكاة كانت ديناً فى الذمة، ويكون المكلف بادائها آثماً بتأخيرها، حيث يكون حائزاً لما لا يملك من حق الفقراء فى ماله.
وقد أشار رسول الله r إلى خطورة تأخير إخراج الزكاة بقوله r: "ما خالطت الصدقة مالاً قط إلا أهلكته " .
ومن ثم فإن المبادرة إلى أداء الزكاة وإعطائها إلى مستحقيها فور حلول موعد استحقاقها أمر واجب.
وعلى الرغم من ذلك، فقد أجاز بعض الفقهاء تأخير إخراج الزكاة عن موعد استحقاقها للضرورة القصوى، مثل تأخيرها لتدفع إلى فقير غائب أو فقير قريب أو لعذر مالى للمكلف بادائها.
كما أجاز بعض الفقهاء كذلك أداء الزكاة قبل موعد استحقاقها للضرورة كسد حاجات الفقراء.
مسؤلية الدولة عن تحصيل الزكاة
نظراً لأن الزكاة عبادة مالية، ولأن الفرد جُبل على حب المال، فقد أوكل المولى سبحانه وتعالى أمر تحديد وعاء الزكاة وتحصيلها وكذا انفاقها فى مصارفها الشرعية، وغير ذلك من الأمور المتعلقة بها إلى ولى الامر، وذلك فى ضوء الضوابط الشرعية لذلك .
وأساس ذلك قول الحق تبارك وتعالى : " خُذْ مِنْ أَمْوَالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِهَا" ( التوبة : 103 ).
ومن ثم ، فإن الدولة مسئولة مسئولية كاملة عن كل ما يتعلق بالزكاة، وقد قام الرسول r والخلفاء الراشدون من بعده بمباشرة هذه المسئولية. وعلى ذلك فإن على الدولة أن تأخذ الزكاة من أموال مواطنيها جبراً إن لم يدفعوها طواعية، كما يجوز لها معاقبتهم على امتناعهم عن تأديتها.
ويجوز لإحدى الجمعيات الخيرية المرخص لها فى جمع الزكاة وصرفها أن تتحمل هذه المسئولية فى نطاق الترخيص الممنوح لها.

المراجع
1 ـ إبن عابدين، حاشية رد المحتار على الدر المختار، الجزء الثانى، ص13.
2 - زين الدين بن نجيم الحنفى ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، الجزء الثانى ،ص218.
- د. يوسف القرضاوى ، فقه الزكاة ، الجزء الأول ، ص130.
- منصور بن يونس بن ادريس البهوتى ،شرح منتهى الارادات ، الجزء الأول، ص367.
- إبن قاسم العاصمى النجدى ، الروض المربع شرح زاد المستقنع ، الجزء الثالث ، ص 168.
3 ـ الكاسانى ، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ،الجزء الثانى، ص824.
- منصور بن يونس بن ادريس البهوتى ، شرح منتهى الارادات،الجزء الأول ، ص367.
- الفتاوى الهندية ، الجزء الأول ، ص172.
- ابن تيمية ، فتاوى بن تيمية ، المجلد الخامس والعشرون ، ص45.
4 ـ الكاسانى ، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ،الجزء الثانى، ص825.
- ابن نجيم الحنفى ، الأشباه والنظائر ، ص358.
5 ـ زين الدين بن نجيم الحنفى ،البحر الرائق شرح كنز الدقائق ، الجزء الثانى،ص 218.
- ابن قدامة المغنى ، الجزء الرابع ، ص263.
- ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الدر المختار ،الجزء الثانى ، ص5.
- أبو عبيد القاسم بن سلام ،الأموال ، ص473.
6 ـ السيوطى، الأشباه والنظائر ، ص360.
- منصور بن يونس بن ادريس البهوتى ، شرح منتهى الارادات ،
الجزء الأول، ص368.
7 ـ ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الدر المختار ، الجزء الثانى، ص5.
8 ـ الكاسانى ، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع، الجزء الثانى ، ص834.
9 ـ ابن قدامة ، المغنى ، الجزء الثانى ، ص73.
10ـ ابن قدامة المغنى ، الجزء الثانى ، ص73 .
11ـ السيوطى، الأشباه والنظائر ، ص471 .
12ـ منصور بن يونس بن ادريس البهوتى، شرح منتهى الارادات ، الجزء الأول ،ص370.
- أبو زكريا النووى ، المجموع ، الجزء الخامس ، ص370.
- أبو زكريا النووى ، مغنى المحتاج ، الجزء الأول ، ص399.
- عبد الله حسن الكوهجى ، زاد المحتاج شرح المنهاج ، الجزء
الأول ،ص473.
13ـ الكاسانى ، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ، الجزء الثانى، ص828.
- ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الدر المحتار ، الجزء الثانى ، ص7.
14ـ الكاسانى ، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ، الجزء الثانى ، ص839.
15ـ ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الدر المختار، الجزء الثانى، ص33.
- زين الدين بن نجيم الحنفى ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق ،الجزء الثانى، ص247.
- ا لكاسانى ، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ،الجزء الثانى، ص839 .
16ـ الكاسانى ، بدائع الصنائع فى ترتيب الشرائع ،الجزء الثانى، ص 828.
17ـ زين الدين بن نجيم الحنفى ، البحر الرائق شرح كنز الدقائق الجزء لثانى، ص218.
- ابن عابدين ، حاشية رد المحتار على الدر المختار ، الجزء الثانى ، ص6.

 
منتديات العرب » القســـم الإسلامــي » منتدى المـواضيع والدروس الإسلامــية العـامـــة » الدليل الفقهى لحساب الزكاة
  • صفحة 1 من%
  • 1
بحث:


Copyright MyCorp © 2024 | Gaza Software