وطنٌ في جوفِ ليلْ
الكاتب: سماء نافذ غنيم
من خلفِ السياجِ الصدئ
أطلَ الليلْ
بسكون ٍ غامضٍ مُرعب
يحكي حكاية طفلة ٍ قتلها صمت أمة
والتقى الصديقان في الفراغ
رفعا الغضب في وجه بعضهما
تصارعا أرضا
إذ برصاصة غدر تصيب أحدهما
سقط بين ذراعي الأرض
أصابت الأخر صعقة وداع
بكى وتأسف
قال له صديقه : لا تبكي ... ولا تأسف
وعلى ماذا تأسف
قال : على الزمان
لا يا صديقي لا تأسف على الزمان
بل ااسف على حكام تقاسموا الوطن كتركة يملكونها وحدهم
ااسف على نفسنا التي قتلت الضمير وتبعتهم كالعمياء
يا لنا من أغبياء
أتذكر يا صديقي .. أتذكر حينما اقتسمنا رغيف الخبز سويا
وكنت تعزف لي لحنا أبكي بعده لساعتين ؟
فتمسك منديلك الأبيض الذي طرزته حبيبتك بدمع الوداع
وتجفف دمعي ،و تختلط الدمعات
فتعصرنا في جيبك الأيمن كي لا نسقط منك
كي نمنحك الدفء حينما يخونك البرد
لتلتقطنا وتدفعنا للبائع حينما يقرصك الجوع
أ لا تذكر يا صديقي ؟
أ لا تذكر ؟!
صفعات البرد التي كانت تركلنا بقدمَّي الريح ؟
وصرخات الجوع التي كانت تمزق أحشائنا ؟
وأنت تقول لي اصبر ،ستمطر ونملأ أفواهنا
بماذا يا صديقي ؟
بماذا نملأ أفواهنا؟
أببعض المطر الذي غلَّفه غبار الرصاص ؟!
أببعض القطرات الملونة بالدماء ؟!
أم ببعضك وبعضي ؟!
لنبكي يا صديقي ونملأ السماء عويل
لا يا صديقي
بل لننهض ونغسل المطر بعرق الجبين
لنحتفي بنصرنا على الضمير
أي نصر يا صديقي
أي نصر يا صديقي والأرض مازالت جرداء
أي نصر والعقول أصابها الغباء
قم يا رفيقي
قم يا رفيقي كفاك موت ، كفاك بكاء
البكاء يفتح أذرع القبور
ويلتهمنا أحياء
قم لنمضي إليها
إلى أين ....؟
إلى فلسطين
تلك الطفلة التي ولدت في الصقيع الأغبر
تلك الساكنة في حزن عيني
في غصة أم فقدت طفلها
في عيني طفلٍ مازال في أحشاء أمه
في قلب شيخ يتعكَّز على الماضي ليحتفظ بذكراها
في حنين الغيم الأبيض
يا صديقي
تلك الطفلة من غليل جهنم ُأرضعت
بصفعة السيف
برصاصة الغادر
بغدرهم
وغبائنا
في المهد قُتلت
وأنا يا صديقي من جرحي
من ظمأي المبلل بعرق الحرب
تعهدّت أن أرويها
لتكبر فينا ونكبر فيها
ظمآنة هي حد الشبع
ضائعة ،تائهة
قُمْ يا صديقي لنضمد جراحها
ليس جرحٌ يا صديقي فحسْب
بل موتٌ حي
كم من أسير جُرَّ إلى حبل المشنقة
كم من جريحٍ نزف حدَّ الموت في أرض المعركة
وكم من شهيد كلّلَ مسكه أرضك المدمرة
يا شعلة الحزن في ملامح وجهي
يا اعتراكة النفس الحائرة
يا ثوب الغيم الأبيض
يا كفن الجسد الممزق
يا لهيب لهيب الغربة يا وطني
ما لي غيرك
وهبتك نفسي
دافعت عنك قالوا عني إرهابي
حاربت الظلم في بلدي نعتوني بالاضطهادي
وضعوا السم في يدي وقالوا تناولي
وضعوا الجيفة على بابي وقالوا استنشقي
حفروا قبري ورشوه بالنتانة وقالوا تمددي
يقدمون لي الوطن على طبق من خيانة
ورغم كل ذلك اتهمت بالادانة
ادانة ؟
أضحكوني مِلأ الجوف
أي ادانة ؟
ادانة على صمتي ؟!
على طاعتي ؟!
على تأديتي لواجبي ؟!
على ذلي واهانتي ؟!
على ماذا يا هؤلاء؟
على ماذا يا أمة العرب العمياء؟
وطني
مدَّ ذراعك واقترب
وبهذا تلحَّف
بماذا ؟
بالسراب ؟
أجل وطني
تلحَّف بالسراب
لتخدع المتعطشين لدمائك
ليعودوا أذلاء
يا وطن الأعزاء
يا أم الشهداء
ذهبت دمائنا هباء
والصوت مختنقٌ بالبكاء
زمنك يا وطني مملوء بالجبناء
مملوء بالعملاء
نَمْ قرير العين يا وطني
نمْ
علَّك تحلم بالهناء
علّك تطرد الجبناء
ويعود لتحريرك العظماء
| 
